قراءة في قطاع النفط السوداني خلال ثلاثين عاماً: التاريخ، التحديات وآفاق المستقبل


تلخيص

تسلط هذه الورقة الضوء على مسيرة قطاع النفط في السودان خلال مرحلة حكم نظام الإنقاذ والتي امتدت لثلاثين عاماً، من خلال إستعراض أبرز المحطات المحورية التي مرّ بها القطاع في جوانب الإنتاج والشراكات العالمية والتحديات الأمنية التي ألقت بظلالها على عمليات التنقيب. كما تتناول الورقة بالتحليل، أهمَّ التحديات التي تواجه القطاع النفطي في الحالة الراهنة، بما يشمل قضايا الإصلاح الإداري وتعزيز الرقابة والشفافية ومحاربة الفساد وإصلاح العقود ونُظُم العمل وتشغيل خريجي مؤسسات التعليم، بجانب قضايا التحول التكنولوجي وإزالة الإحتقان لدى المجموعات المحلية . تحاول الورقة أيضاً استشراف الآفاق المستقبلية لقطاع النفط في السودان، على ضوء التطورات التي يتوقع أنْ تفرزها ثورة ديسمبر 2018م ومحاولة تقييم المبادرات التي طرحتها قوى الثورة ومآلاتها.

مقدمة
يمكن إرجاع الحديث عن إمكانية وجود مخزونات نفطية في السودان إلى بدايات القرن العشرين، البداية الحقيقية للمحاولات الاستكشافية الجادة كانت في العام 1959م؛ وذلك حينما قامت شركة "أجب" الإيطالية بحفر ستة آبار في منطقة البحر الأحمر، بالرغم من عدم افلاح تلك المحاولة في اكتشاف كميات تجارية من النفط، إلا أنها كشفت عن شواهد نفطية وغازية في بعض الآبار (1). تلت تلك المحاولة محاولات أخرى على يد شركات أجنبية في مساحات واسعة في الشرق والشمال السوداني. بيد أنّ إحدى نقاط التحول الكبرى في تاريخ قطاع النفط السوداني كان تشريع "قانون الثروة البترولية" في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري في العام 1972م؛ حيث أدّى ذلك إلى تسريع وتيرة عمليات التنقيب والتنافس بين الشركات العالمية على امتلاك امتيازات البحث والتنقيب، كان من أبرز تلك الشركات، شيفرون وتوتال وتكساس ويسترن ذائعة الصيت. النشاط المحموم لشيفرون قادها إلى أول استكشاف فعلي للنفط السوداني في سبع آبار في مناطق المجلد والوحدة، بلغ إنتاج إحداها ثمانية آلاف برميل يومياً. تلت تلك الإكتشافات التي تمت، تقارير عالمية عن رقود السودان "فوق بحيرة نفطية" وتم بحث إنشاء مصفاة نفطية ومد لخطوط أنابيب.
دخل السودان بعدها في اضطرابات أمنية وسياسية عرقلت التنمية في قطاع النفط، حتى حدث انقلاب عسكري جاء بنظام "الإنقاذ الوطني" إلى سدة الحكم. إدارة النظام لملف النفط كانت كمثيلاتها في أي دولة انقلابية، تعتمد على تبني نموذج "الدولة الريعية" التي يقوم اقتصادها على استخراج الموارد الطبيعية وبيعها. وبالفور شرع النظام الجديد -آنذاك- في إتخاذ اجراءات لإستئناف النشاط في القطاع، فقسم البلاد لمربعات استشكافية وفق قانون استكشاف جديد، وسعى للحصول على قروض لتطوير القطاع من الحلفاء المحتملين، وصعَّدَ النبرة في وجه شركة شيفرون بأنَ عليها أنْ تستأنف عملياتها أو تتخلى عن مناطق امتيازاتها، والتي تخلت عنها شيفرون بالفعل لصالح شركة "كونكورب". بدأت بعد ذلك مرحلة أخرى، فُتح فيها الباب أمام الشركات الأجنبية كي تستثمر في القطاع الواعد (1)، حازت الشركات الصينية على النصيب الأوفر من تلك الإتفاقيات، وأنشأت بموجبها شركات محاصصة وبدأت إنشاء البنية التحتية للصناعة.
 ظهور النفط كان له انعكاسات واضحة على اقتصاد الدولة، كل المنعطفات الحادة التي مرّ بها القطاع أثرت بشكل محوري على الأداء الإقتصادي؛ فالنفط صيّر السودان إلى دولة ريعية بشكل حاد جداً شكّلت صادرات النفط أكثر من 90% من جملة الصادرات (1) ، نموذج الدولة الريعية التي تعتمد على استخراج الموارد الطبيعية وبيعها كان من أوجه الخلل التي عصفت بالإقتصاد السوداني؛ إذ أنَّ الدول الريعية تتحول دوماً إلى دول هشة تساهم "إيرادات النفط في تحقيق طفرة من النمو لدى هذه الدول، من دون أنْ تصاحبها تنمية حقيقية، أو اصلاح سياسي ومؤسسي، فالدولة تعتمد في الحصول على مواردها على إيرادات النفط، من دون وجود إنتاج حقيقي، ومن ثمَّ يكون اقتصادها معتمداً كلياً على سعر النفط، وتوظف تلك العائدات لتكسب ولاء المواطنين الذين يتحولون  إلى رعايا منتفين بما توفره لهم من خدمات" (2). النظام السابق يتهم بأنَّه لم يفلح في استثمار عائدات النفط بما يخلق تنمية مستدامة واقتصادي حقيقي قائم على قطاعات حيوية مثل التصنيع والخدمات كما في سائر الدول المتقدمة، ومن المتفق عليه بصورة واسعة بين المهتمين أنْ النفط لم يكن انعكاس ملموس على تحسين حيوات عموم السودانيين، الذين ما برحوا يرزئون تحت وطأة تفاقم الفقر والمرض وضعف المساواة وغيرها من دلائل ضعف التنمية البشرية (3). الإقتصاد السوداني ضعيف ويتزيل غالب المؤشرات الإقتصادية، ويعاني نتيجة صدمات داخلية وخارجية كالحرب والديون والأزمات العالمية وبؤس العلاقات الخارجية، ويعاني أيضا من ناحية هيكلية(structural)  باعتماده على ريع الموارد الطبيعية وتصدير الخام والجباية الحكومية والتجارة الداخلية غير الانتاجية كالسمسرة وما شابهها من مهن.
 موارد السودان النفطية تُقدَّر بحوالي 5 مليار برميل (4) منها حوالي مليار ونصف برميل من الإحتياطات المؤكدة حسب تقارير خاصة (5). ذروة انتاج النفط في السودان كانت في العام 2007م حيث بلغت 520 ألف برميل في اليوم (6)، بإنفصال جنوب السودان وتكوينه لدولته المستقلة في العام 2011 كان السودان قد فقد حوالي 75% من احتياطاته النفطية وهبط الإنتاج إلى حوالي 103 ألف برميل يومياً، الوضع الراهن يشير إلى أنْ الإنتاج اليومي لا يتجاوز عتبة 72,565 برميل حسب الإحصاءات الرسمية (7) لشهر يناير 2019م.

Figure" 1”Sudan Crude Oil Production”, Trading Economics
 لغرض التقريب، إذا قمنا بقسمة الإحتياطي المؤكد على الإنتاج اليومي -مع اعتبار ثبات بقية المعطيات- فإن النفط المتبقي سيستمر بالتدفق لمدة تقارب 57 عاماً فقط، مع اعتبار ما في الحسابات من افتراضات غير دقيقة ونظرة متفائلة بعض الشئ. ذلك الأمر، يستدعي بالضرورة خططاً تطويرية للحقول خصوصاً وأنَّ بعض التقارير كانت قد أشارت إلى أنه إنْ لم تحدث اكتشافات جديدة فإن إنتاج النفط السوداني قد بلغ ذروته منذ أمد.
إذا أخذنا معطى أنَّ الدول النامية يتوقع أنْ ينمو معدل استهلاكها للطاقة؛ بسبب زيادة النمو الديموغرافي وتضخم الطبقة المتوسطة واقتصادها (8)، مع الإرتباط العضوي بين التنمية وما يصاحبها من توجه نحو التصنيع واتساع لقطاع الخدمات في رفد الإقتصاد (9) وبين الحوجة الماسَّة لخلق مصادر اضافية للطاقة تقابل الإزدياد في الطلب المتوقع، فكل الخطط المقبلة يجب أنْ تأخذ في الإعتبار احتمالية عدم نجاح السودان في رفع انتاجية حقوله أو ادخال حقول أخرى جديدة في منظومة الإنتاج، ومن ثم ايجاد بدائل لتأمين الطاقة.
أصبح السودان بالمحصلة مستورداً للنفط في العام 2014م، وذلك بعد هبوط إيرادات النفط إلى 1.25 مليار دولار أمريكي، في حين أنّ تكلفة الواردات من المشتقات النفطية بلغت 1.52 مليار دولار(10). يعتمد الإقتصاد السوداني على الوقود الأحفوري بنسبة 90% (11) ويشكل الزيت النفطي 35% منها (12). فيما يرتبط بالمشتقات النفطية أيضاً، فالسودان لديه فائض من الزيت الخام والفحم البترولي والجازولين الذي يتم تصديره (13). بجانب ذلك، يوجد نقص في الجازأويل ووقود الطهي "البوتجاز" ووقود الطائرات والفيرنس يتم تغطيته بالإستيراد (12). أما عن البنية التحتية، فالسودان يمتلك أربعة مصافي لتكرير النفط، ثلاث منها خارجة عن العمل بما يشكل حوالي 20% من اجمالي السعة الكلية، كما يمتلك ثلاثة خطوط أنابيب وعدد من المختبرات والمراكز المتخصصة.
تاريخياً، انحصرت أزمات الطاقة في ملف الإمدادات النفطية، وتحديداً في قضايا الإستيراد والتوزيع إذ لم يكن السودان قد دخل عهد النفط بعد، الأزمات في قطاع النفط المحلي ازدادت وتيرتها بصورة ملحوظة منذ بداية العام 2018م، في أبريل من العام 2018م حدثت أزمة خانقة تمثلت في شح امدادات البنزين والجازولين بسبب تعطل مصفاة الخرطوم "إلى أجل غير مسمى" كما رشح في التصريحات والتسريبات وقتئذ، على إثر ذلك تمت إقالة وزير النفط والغاز السابق مع مزاعم واسعة بتسبب الوقود الذي ضخته السلطات الحكومية في السوق في حدوث حرائق سيارات.
في ديسمبر من العام 2018م اشتعلت ثورة شعبية في السودان، نجحت في الإطاحة بحكم نظام الإنقاذ الوطني الذي إمتد لثلاثين عاماً، قوى الثورة شرعت في اقتراح سياسات عامَّة، لإعادة بناء المؤسسات وتقييم العلاقات الخارجية ووضع خطط اصلاحية وانمائية قصيرة وطويلة المدى. بناءاً على ما سبق ذكره، تحاول هذه الورقة تقديم استعراض موجز لحال القطاع النفطي في السودان خلال مرحلة حكم نظام الإنقاذ الوطني الممتدة لثلاثة عقود، مع التركيز على بعض الملفات. كما ستتم الإشارة لأهم التحديات الملحة التي تكتنف تطور القطاع ونموه، وتحاول الورقة أيضاً التنبؤ بالمسارات المستقبلية التي يمكن أنْ يسلكها القطاع في مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر 2018 في السودان.

استعراض الدور الخارجي في تطوير قطاع النفط في السودان
بصورة عامة يعد أبرز المساهمين في قطاع النفط السوداني هي الشركات الوطنية لكل من الصين والهند وماليزيا، بجانب دول أخرى قدمت دعماً فنياً متقطعاً مثل النرويج. مرّ معنا من خلال السرد التاريخي لقطاع النفط السوداني، أنّ استخراج النفط لم يكن إنجازاً لنظام الإنقاذ وإنَّما كانت قد أرسيت دعائمه من قبل ذلك، وعند حدوث انقلاب نظام الإنقاذ كانت هناك ثلاثة حقول جاهزة لأنْ تبدأ الإنتاج الفعلي (1). ما أحدثه النظام أنه أعاد تشكيل العلاقات الخارجية على نحو يضمن استفادته القصوى من عائدات النفط تلك. دولة الصين الشعبية كانت الشريك المفضل للنظام، علاقة الصين بقطاع النفط ترجع إلى عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي كان قد بحث ملفاً بعنوان "استخراج النفط والمعادن الأخرى" مع القيادة الصينية مع تبادل بعثات فنية ودبلوماسية بين البلدين، العلاقة سادها بعض الفتور حتى جاء عهد نظام الإنقاذ الذي كانت تربط بين حاضنته السياسية "الجبهة الإسلامية القومية" وبين النظام الصيني علاقات جيدة (1) (14). تلك العلاقة الجيَّدة يمكن فهمها في سياق الإستراتيجية العامة التي تنتهجها الصين تجاه الدول الشرق أوسطية والإفريقية، والتي تقوم بصورة أساسية على مبدأ التعاون الإقتصادي الشامل والتنمية المشتركة، والإلتزام التاريخي للسياسة الخارجية الصينية بعدم التدخل فيما تصفه بالشئون الداخلية للدول الأخرى (15)، إلتزاماً بالبراغماتية المطلقة التي تحبذها وأيضاً تجنباً لإثارة قضايا السياسة الداخلية وشئون الأقليات ومناطق الحكم الذاتي وغيرها من القضايا التي يمكن أنْ تهدد القبضة الداخلية المحكمة للحزب الحاكم.

على ضوء تلك المعطيات، توجه نظام الإنقاذ ناحية الصين لعدة أسباب، يمكن أن نعدَّد منها: حوجة النظام الماسَّة لمورد نقدي واقتصادي سريع العوائد يمكَّنه من تسيير دولاب الدولة الوليدة، العزلة الدولية للنظلم -والتي كانت قد ظهرت بوادرها- لقيامه بالإنقلاب العسكري وصلته بالإرهاب العالمي وتهديده لأمن الدول الجارة، الإقتصاد الصيني الذي كان يشهد نمواً متسارع جداً وتعطش للطاقة وذلك لتلبية احتياجات القطاع الصناعي، الأمر الذي دفع قيادة البلد الآسيوي لتوجيه شركاتها نحو ضرورة إمتلاك احتياطات نفطية خارج الحدود (1). على إثر ذلك أخذت الصين على عاتقها مهمة الدخول في شراكة لمساعدة السودان على تطوير صناعة نفطية، القبضة الصينية على القطاع كانت محكمة بالحد الذي سيطرت به الشركات الصينية على خدمات الحقول وحفر الآبار وصيانتها والإنشاءات الحقلية ومد خطوط الأنابيب وبناء موانئ التحميل. علاوة على ذلك، تحصلت الشركات الصينية على امتيازات أخرى، مثل الدخول في عطاءات مغلقة -عليها فقط- لبيع النفط السوداني (16).
بالرغم من العلاقة الجيدة ظاهرياً بين الشريكين إلا أنه شابها بعض الفتور في السنوات الأخيرة، تحدث تقارير عديدة عن امتعاض الشركات الأجنبية من السياسة النفطية للدولة، وترددها الكبير في المضي قدماً في استثمارها في قطاع النفط السوداني. سوء الأداء المالي للجانب السوداني وقصوره في ملفات الوفاء بالإلتزامات المالية والديون المستحقة المتراكمة للشركات الصينية والتي بلغت ملياري دولار في أقل تقدير لها (17) تعد أبرز نقاط الخلاف التي يكثر الجدل حولها.
قابلت العلاقة المتميزة مع الصين علاقة أخرى إتسمت بالجفاء والقطيعة مع الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، من أبرز محطات تلك العلاقة فرض حزمة واسعة من العقوبات الإقتصادية والحظر بما يمنع النظام من إحكام سيطرته على مفاصل الدولة وتأمين بقاءه. في العام 1992م أقرَّت الولايات المتحدة نظام عقوبات صارم على السودان، تم تشديد تلك العقوبات مرة أخرى في العام 2006م حيث أضيفت ثلاثة بنود جديدة، أحدها يمنع المواطنين والشركات الأمريكية من أي نوع من التعامل مع السودان في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات، فقد ورد في الأمر التنفيذي رقم 13412 الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن: "…بغض النظر عن أي عقد مبرم أو أي ترخيص أو تصريح ممنوح قبل التاريخ الفعلي لهذا الطلب، جميع المعاملات التي يقوم بها أشخاص من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصناعات البترولية أو البتروكيماوية في السودان، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، خدمات حقول النفط والنفط أو أنابيب الغاز، محظورة" (18). الولايات المتحدة بدأت في العام 2006م إصدار سلسلة من التراخيص والإعفاءات من العقوبات المفروضة على السودان، في العام 2011م سمحت أميركا بمشاركة الشركات الأمريكية في عمليات نقل النفط الخاص بدولة جنوب السودان، تلك العقوبات المختصة بقطاع النفط كانت قد رفعت بشكل كامل في شهر أكتوبر 2017م، وعلى الرغم من مرور ما يقارب العامان من ذلك القرار المحوري، إلا أنَّ مشاركة الشركات الأميريكية في قطاع النفط السوداني ما تزال شبه منعدمة.

الدولة النفطية وبروز التحديات الأمنية في مناطق الحقول

الإرتباط الوثيق بين ظهور الموارد النفطية والتحديات الأمنية التي تلي ذلك أمر مُسلّم به بإعتباره ظاهرة شائعة، تاريخ القطاع النفطي في السودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ من الصراع والعنف وانعدام الأمن (9). إذا تبنيا الرأي القائل بأنّ التنمية لا تنفك عن الإجابة على سؤالات العدالة الإجتماعية والمساواة، فالعنف الناجم عن ضعف العدالة لا يهدد الأمن البشري فحسب وإنَّما يهدد برامج التنمية بذات القدر (19)، خصوصاً وأنَّ الموارد الطبيعية هي قوام التنمية في الدول الريعية. حالة إنعدام الأمن والصراع المسلح في دول العالم النامي ما هي إلا تعبير عن الهشاشة في بنية الدولة والمجتمع وإنعدام المساواة.
تاريخياً، ظهرت بوادر تأثير اكتشاف النفط على المشهد الأمني عام 1983م في الخلاف بين حكومة المركز والحركة الشعبية لتحرير السودان سابقاً، حيث أبدت الحركة المعارضة -التي كانت تمثل مجموعات الجنوب- امتعاضها من نية الحكومة المركزية تركيز عمليات بناء البنية التحتية للصناعة الواعدة في مناطق الشمال -السودان حالياً-، بالرغم من غالبية الآبار المنتجة كانت في الأقاليم الجنوبية، وخصوصاً مناطق دولة جنوب السودان -حالياً- المثقلة أصلاً بسنوات من الصراع مع المركز. إصرار الحكومة على نقل موقع مصفاة كانت شركة شيفرون قد وافقت على إنشاءها إلى الشمال بدلاً عن الجنوب وتغيير مسار خط أنابيب البترول ليمر عبر بورتسودان بدلاً عن ميناء ممباسا الكيني كانت من أبرز المظالم التي رفعها أهل الجنوب (1). شرارة أحداث العنف كانت هجوم من المعارضة الجنوبية على مقر لشركة شفرون خلّف عدد من القتلى وأدَّى لقيام الشركة بتجميد كافة نشاطاتها في البلاد بحلول العام 1985م.

بعد مجئ نظام الإنقاذ تم تصعيد حدة المواجهة ضد المجموعات المسلحة، حيث شنَّ النظام حملة عسكرية عرفت بإسم "صيف العبور" على مناطق يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان، كما بدأ النظام في تشكيل مجموعات من السكان المحليين لتأمين مناطق الحقول، بعض تلك المجموعات كانت من الفصائل المنشقة عن الجيش الشعبي وبعض القبائل الجنوبية ذات الأصول الإفريقية، وبعضها ينتمي لقبائل عربية مثل مجموعات المسيرية الرَّحل (9).
الصراع الأمني في المناطق الغنية بالنفط كانت قد أشعلت فتيله حركات ذات صبغة سياسية مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أنه لم يلبث حتى انخرطت فيه مجموعات من القبائل والسكان المحليين. إذا أخذنا قبائل المسيرية كعينة على المجموعات المحلية التي تبدي تذمراً من سوء إدارة ملف النفط، فلطالما أبدت عدم الرضا عن التأثير السالب لعمليات التنقيب على نمط حياتهم والفوائد الهامشية التي يتلقونها من حيث فرص العمل ومشاريع التنمية. الكوارث البيئية مثل إزالة الغابات وتلوث المياه ونفوق المواشي ونقص معدلات الأمطار وإنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية من أبرز المظالم التي قُدمت، والتي عكست حالة الغبن من جانب السكان المحليين تجاه سلطات المركز، وقد أدّى ذلك إلى قيام مجموعات منهم بهجمات متكررة على مواقع العمليات النفطية (9). تبقى الإشارة إلى ملف آخر يتعلق بالملف الأمني في مناطق الحقول ألا وهو ملف منطقة "أبيي" الغنية بالنفط -يوجد بها حقل دفرا في الشمال- والتي تقع في الحدود الفاصلة بين دولة السودان ودولة جنوب السودان، المنطقة تبقى محل تنازع بين الطرفين فيما تزال على الطاولة تنتظر الحكم القضائي.

أبرز القضايا والتحديات التي تواجه قطاع النفط المحلي في السودان

أولاً: الإصلاح المؤسسي وإعادة الهيكلة والإدارة السليمة:
النظرة قصيرة المدى التي تعامل بها نظام الإنقاذ السابق والمتمثلة في إستعجال إنتاج النفط للحصول على نقد بصورة سريعة، قاد إلى إشكالات متجذرة في القطاع النفطي، عامة المشاكل التي عانى منها هيكل الدولة ومؤسساتها طالت قطاع النفط أيضاً، بل وفي كثير من الأحيان بصورة أكثر حدة نظراً لخصوصية قطاع كهذا القطاع في البنية الهشة جداً للدولة. إدارة قطاع حيوي كقطاع النفط لم تكن بالمستوى المطلوب، ونتيجة لذلك، استشرى الفساد وانعدمت الشفافية وطغت المركزية (2) وتكاثرت جماعات المصلحة.
أحد مظاهر الخلل في القطاع كان فيما يرتبط بإنعدام الشفافية، إذ أنه يحاط بهالة من السرية والكتمان منذ نشأته. منظمة "غلوبل وتنس" كانت قد أوردت في أحد تقاريرها المتخصصة قول البنك الدولي أنَّ الشفافية في قطاع النفط في السودان "ضعيفة بصورة غير عادية" مقارنة بغيره من البلدان النامية المصدره للنفط (16)، اللافت للنظر وقتئذ أنَّ القطاعات في تلك الدول عادة ما تكون غير شفافة هي الأخرى، مما يجعل قطاع النفط السوداني -بذلك الوصف- أسوأ السيئين! البنك ذاته أشار إلى أن الوزارة "لا تنتج إحصاءات أو تقارير مفصلة عن القطاع أو عن تطورات المشاريع، وأن شركة النفط التابعة للدولة لا تبين حسابات عامة، وليس هناك سوى القليل جداً من المعلومات عن تطورات الأعمال التجارية من الشركات التي تعمل في السودان". من مظاهر انعدام الشفافية التي خلص اليها ذلك التقرير: الكميات المنتجة التي كانت قد اعلنتها حكومة السودان هي أقلَّ بنسب تصل إلى 26% في بعض المربعات من تلك التي نشرتها شركة الصين الوطنية للبترول، ليس باستطاعة المواطنين السودانيين -ولا حكومة الجنوب سابقاً- التحقق من صحة عائدات النفط التي تستلمها الحكومة، عدم الإفصاح عن تفاصيل بنود الإتفاقيات النفطية والمتغيرات الرئيسية فيها بما لا يمكّن من التدقيق الكافي في ملف الحسابات، عملية إدارات العطاءات يكتنفها بعض الغموض؛ حيث تمَّ في أكثر من مناسبة عقد عطاءات مغلقة على شركات صينية فقط، بعض النافذين في المؤسسات الحكومية المسؤولة عن مهام التنظيم والرقابة لهم مصالح تجارية في بعض الشركات في نفس الوقت (16). في ذات السياق، ميزانية المؤسسات الموكل اليها إدارة القطاع لا يُعلم عنها شئ، فلا "المؤسسة السودانية للنفط" -قبل حلها- ولا الشركة الوطنية "سودابت" كانت تجاز ميزانيتهما لا عبر المجلس الوطني "البرلمان" ولا عبر وزارة المالية والإقتصاد الوطني، كما أن تقارير المراجع العام بشأن الأخيرة لا تنشر علناً (9).
سوء الإدارة تمظهر أيضاً في ضعف المؤسسية التي يدار بها القطاع، حيث قدمت شكاوى عديدة عن تدخل فاعلين محليين في مناطق النفط  وقادة سياسيين من حزب المؤتمر الوطني ودوائر مقربة من الرئيس السابق للتأثير على عملية صناعة السياسات النفطية. "مجموعات المصلحة الداخلية" المرتبطة بالنخبة الحاكمة وأذرع النظام الأمنية مثل جهازات الأمن والمخابرات الوطني ذي النفوذ الواسع في القطاع يزعم امتلاكها لأسهم في شركات استثمارية سودانية متعاقدة مثل مجموعة هاي تك، بشائر، بترونيد، هجليج، قادرة، نبتة، قصر اللؤلؤ (9) (20).
طبيعة الهياكل والكيانات الموكل إليها مهام إدارة قطاع النفط والعلاقات بينها ما تزال مثار جدل واسع. هناك ثلاث جهات رئيسة فاعلة في قضية إدارة القطاع، وزارة النفط والغاز في السودان هي الجهة العليا المسؤولة عن إدارة القطاع بشكل شامل وتنوب عن الدولة في الإستغلال الأمثل للموارد الهيدروكربونية، منذ التسعينات وحتى مارس من العام 2019م كان يتبع للوزارة كيان يسمى بـ"المؤسسة السودانية للنفط" وهي سلطة حكومية تشرف على جميع عمليات استكشاف النفط وإنتاجه وإبرام العقود والإتفاقيات وامتلاك الحصص في الشركات والرقابة والإشراف على توزيع المشتقات وغير ذلك (21)، ثمَّ هناك شركة سودابت التي تنوب عن الدولة في المشاركة في الائتلافات العاملة كممثل لحكومة السودان، توجد العديد من المزاعم بشأن الضبابية في عمل هذه الأجسام والتضارب بين مهامها أحياناً. آخر رئيس وزراء في عهد نظام الإنقاذ كان قد اتخذ خطوات اصلاحية في هياكل الدولة، كان من أبرزها قرار حلَّ المؤسسة وأيلولة جميع اصولها وممتلكاتها لوزارة النفط والغاز في خطوة أثارت جدلاً واسعاً (22).
عطفاً على ما سبق، في ملف السياسة النفطية يبرز اتجاهان مختلفان عمن يتعين أنَّ يكون على قمة هرم إدارة القطاع، إتجاه يرى أنَّ الشركات المشغلة للحقول -والمنشئة وفق إتفاقيات محاصصة بين الدول- تملك خبرة تقنية واسعة في إدارة الحقول وتطويرها، بجانب أنها قد أُسست واُديرت في جوانب التعيين وإسناد المهام على أساس الجدارة والكفاءة لا على أساس العلاقات الشخصية والترضيات -عكس المؤسسات الحكومية- مما ملكّها طواقم مؤهلة تأهيلاً عالياً، لذا يتوجب أن تسند إليها مهمة الإدارة. على النقيض، يحاجج الإتجاه الآخر بأن تلك الشركات رغم إمكاناتها الفنية العالية، لا يصلح أن يسند إليها مهمة إدارة هذا الملف الحساس، وإنما يجب أن تكون تلك الشركات تحت إمرة مؤسسات تركيبتها من جنس تركيبة المرافق الحكومية (23). الأمر ذاته ينطبق على السودان، فكاتب هذه الورقة كان في زيارة عمل في مطلع العام 2019م لمقر إحدى الشركات المشغلة، وكان الحديث مع أحد الإداريين قد تشعب إلى أنَّ تم التطرق لملف إدارة القطاع؛ حيث صرَّح المدير بأنّ من يجلسون على قيادة القطاع من منسوبي النظام يعدون أحد أكبر معوقات التطوير والتنمية؛ إذ أن كثيراً منهم تدرجوا من خلفيات سياسية من دون أن يمتلكوا التأهيل الفني الكافي الذي يمكنهم من إتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية science-based decisions.
ثانياً: إزالة الإحتقان القبلي في المناطق المتاخمة لحقول النفط:
حقول النفط المنتجة في السودان تتواجد في مناطق دارفور وأبيي وجبال النوبة -والجنوب سابقاً- وهي مناطق حروب ونزاعات قبلية وصراعات منذ عقود. حظيت قضية الأمن والسلم في المجتمعات المحلية بحضور مكثف خلال العقود الثلاثة الأخيرة، سواءً على المستويات الرسمية أو من خلال الكتابة والنقاش بين المهتمين. جذور تلك الصراعات في مناطق الغرب والجنوب الجديد ترجع إلى خلافات حول المراعي والأرض، الأزمة السياسية في السودان أعطت تلك الصراعات بعداً آخر تمثل في ظهور مجموعات محلية وحركات مسلحة تحارب حكومة المركز متهمة إياها بالعنصرية والتهميش. حسب الحكومة، فالهجمات على الحقول تطورت لتشمل إرتكاب جرائم تهدد الأمن وتؤثر على عمليات استخراج النفط، منذ بداية الألفية تصاعدت حدة الهجمات التي يقوم بها السكان المحليون ضد عمَّال الحقول وأصول الشركات، والتي شملت العديد من حوادث القتل والإختطاف والنهب وتخريب الممتلكات (1) (9).
حالة الشعور بالمظلومية والتهميش والتعدي على بيائهتم التاريخية لم تفلح سياسيات الحكومة المركزية وحليفاتها من الشركات الأجنية في إزالتها، بعض تلك السياسات الحكومية تمثل في تخصيص نسبة ثابتة 2% -على الأقل- تمنح لحكومة الولاية التي يستخرج منها النفط (9) كما نص عليه اتفاق السلام الشامل سابقاً، مساهمة الشركات الأجنبية في إنشاء البنى التحتية ودعم بعض مشاريع التنمية المحلية من خلال بنود إنفاقها الخاصة بما يصطلح على تسميته "المسؤولية الإجتماعية" كانت من ضمن تلك الإجراءات، حيث تخصص مبالغ مالية ودعومات من جانب الشركات لمساعدة المجتمعات المحلية وإشراكاً لهم في الإستفادة من ثروة أراضيهم، إلا أنه عادة ما ينظر ممثلوا المجتمعات المحلية لتلك المساعدات على أنها ثمن بخس لقاء السكوت عن استغلال الثروات وإلحاق الضرر بالبيئات الطبيعية -كما اسلفنا- فضلاً عن عدم كفايتها لجبر الأضرار.
وكيفما كان، فيبدو أنَّ الإحتقان القبلي في تلك المناطق سيظل يلقي بظلاله، ما لم تشرع سياسات لحل المشكلة في نطاقها الضيق باعتبارها ضرر واقع على السكان المحليين، أو في نطاقها العام المتمثل في خطاب يزعم بأنَّ جذور أزمة الدولة السودانية هي صراع بين الهامش والمركز على خلفية التهميش والإنفراد بالسلطة والثروة (24). حالة الشعور بالتهميش واللامساواة تعتبر من أكبر المهددات للإستقرار والتنمية، ليس للمجتمعات المحلية فحسب وإنما على نطاق الدولة ككل. 

ثالثاً: التحدي التكنولوجي:
تناول مسألة التحدي التكنولوجي في قطاع النفط يمكن أن يتم في مستويين، أولهما فيما يرتبط بالمشكلات الفنية في قطاع النفط المحلي وثانياً قضايا "التحول التكنولوجي" و"توطين التكنولوجيا". بدايةً، فالمشكلات الفنية والتقنية من أبرز التحديات التي يجابه بها مشغلوا الحقول وشركات الخدمات، مشكلات مثل عدم المقدرة على استثمار كميات الغاز المصاحب، تقليل المياه المنتجة من الآبار ومعالجتها والتخلص منها بصورة مثلى، تقليل إنتاج الرمل، زيادة نسبة الإستخلاص من المكامن، تطوير حقول الإحتياطات غير التقليدية وغيرها. جذور بعض تلك المشكلات تعود لقرارات خاطئة من صانعي القرار، دافعها كان العجلة وقصر النظر؛ فمثلاً مشاكل الإرتفاع العالي جداً لنسبة إنتاج المياه والرمل يرجعها بعض المختصين إلى الإنتاج بمعدل عالي وغير مناسب لطبيعة مكامن النفط في السودان، الإستعجال في إنتاج النفط غير أنه من أجل الحصول على مورد نقدي سريع -كما مرّ سابقاً- قد يكون مدفوعاً بإستباق لأحداث مستقبلية مثل انفصال مناطق البترول التابعة للجنوب، الطريف أنَّ أحد قادة الجيش في دولة جنوب السودان كان قد علَّق على ضخَّ النظام للنفط بكميات ضخمة قبيل انفصال الجنوب حيث قال: "يشابە الموقف النفطي في السودان إعارة بقرتك لشخص وهي مليئة بالحليب ثم إعادتها لك لتفاجأ بأن كل حليبها قد استهلك" (16).
في جانب التحول التكنولوجي، فالتكنولوجيا المقدمة من الشركات في القطاع لم تكن هي الأكثر تقدماً على الإطلاق، غالب تلك التكنولوجيا صينية المنشأ؛ نسبة لإستحواذ الصين على النسبة الأكبر من امتيازات تقديم خدمات حفر وصيانة الآبار في الحقول. إحدى المبررات التي كان نظام الإنقاذ قد قدمها في التسعينات لتبرير التوجه للصين كشريك لتطوير القطاع أنّه "في حاجة إلى تكنولوجيا غير معقدة وهذا متوفر في الصين" (1)؛ فلم يكن العامل الحاسم في اختيار التكنولوجيا جودتها وملائمتها للحقول المحلية، وإنما السهولة وعدم التعقيد حتى يتسنى استخراج النفط وبيعه بأسرع السبل. ومن المفارقات أنّه عند تقديم طلب الشراكة ذاك للصين، اعتذرت في البدء عن قيادة جهود بناء الصناعة النفطية في السودان لأنّ شركاتها لا تمتلك التكنولوجيا المناسبة لتلك المهمة على حد قولها (1)، توجد عدة قرائن تدفع لتصديق مبررات إعتذار القيادة الصينية تلك، منها أنَّ مصفاة الخرطوم كانت أول مصفاة تقوم الشركات الصينية ببناءها في الخارج، اضف إلى ذلك الغبطة العارمة التي تناولت بها وكالات الأنباء الصينية خبر فوزها بعقد تمديد أول خط لأنابيب النفط في السودان.
التحديات التكنولوجية يتم مقابلتها من خلال العديد من المقاربات والآليات لإحداث تحول تكنولوجي حقيقي في الدولة والمجتمع. الإنتقال من حالة الفشل في التعاطي السليم مع ملف التكنولوجيا إلى حالة تكون فيها الدولة قادرة على مقابلة احتياجات القطاعات المختلفة، من أكبر التحديات التي تجابه الدول النامية في سعيها نحو التحول إلى مجتمعات صناعية. القضية عادة تتناول من خلال منظور كلي يشمل قطاعات الدولة ككل ولا يقتصر على قطاع واحد بمعزل عن البقية، لأنَّ سبل صياغة حلول يتطلب الأخذ في الإعتبار مسائل من السياسة والإقتصاد والقانون وسبل الحوكمة والتنمية، إذ أنه "منظومة كاملة وليس مجرد اختراقات علمية وتكنولوجية بسيطة تصدر من أعضاء المجموعة المحدودين" (25) والدول الهشة -كحالة السودان مثلاً- التي تقع ضحية "سماسرة" الدول الصناعية لديها اشكالات متعددة تُمهَّد لذلك؛ منها "غياب البنية التحتية التي يمكن الإعتماد عليها في تشجيع وتسويق تقانات وابتكارات محلية، والفشل في بناء مهارات تقانية محلية، واستيراد تقانات غير ملائمة للسياقات المحلية، وغياب خطط واضحة معنيَّة بالتنمية التكنولوجية تحديداً وليس الخطط التنموية على التعميم. بعبارة أخرى: نقص الرشد السياسي والمؤسسي" (26). خلال جلسة استماع للجنة الطاقة والتجارة في الكونغرس الأميركي حول طبيعة النقلة التكنولوجية التي حدثت في اميركا في قطاع الطاقة بما صيَّرها أكبر منتج للبترول عالمياً، وعن كيفية حدوث ذلك الأمر بتلك السرعة، وإمكانية وجود أي منافسة ومحاولات للقيام بإختراقات تكنولوجية مشابهة لها ذات الأثر، أجاب الخبير المعروف في قضايا الطاقة د. دانيال ييرغن أنَّ ذلك مستبعد على المدى القريب، إذ أنَّ ما حدث من نقلة في قطاع الطاقة الأمريكي كان نتيجة لعدة عوامل متداخلة، منها: توفر المصادر الطبيعية والمناخ الإقتصادي الحيوي والتشريعات الملائمة وشيوع ثقافة ريادة الأعمال. تلك العوامل وغيرها تشكل سلسلة إمداد مترابطة Supply Chain تُمكَّن اميركا في الوقت الحالي من الوصول بإستمرار لتكنولوجيا متقدمة وتطبيقها بفعالية كي يحافظوا على الريادة (27).
قضية التحول التكنولوجي من القضايا الشائكة في مجالات التنمية والتي تتطلب خطط جادة ودراسات للوصول لنماذج ومقاربات تصلح لإنتشال الدولة المعينة من حيز التبعية التكنولوجية إلى آفاق اوسع. رغم وجود اشارات متفرقة لأن القضية تحظى بإهتمام صناع القرار في القطاع إلا أنَّ محاولات التصدي لها (28) لا تكفى لإصلاح الخلل، و ما تزال القضية أرضاً خصبة كي يطرح المهتمين مساهماتهم للحل.

رابعاً: تقليل نسبة بطالة خريجي أقسام هندسة النفط وتحسين أوضاع العمل للعاملين في الشركات النفطية:
الحديث عن قضية البطالة وضعف التشغيل وسط خريجي أقسام هندسة النفط ليس بالقضية الجانبية، لأن المورد البشري هو الأساس الذي تقوم عليه عملية التنمية، كما وتسعى لرغد عيشه في نهاية المطاف. ملف التعليم النفطي والتدريب ورفع القدرات المحلية من الأمور التي أبدى الإهتمام بها كل الفاعلين في القطاع، فمثلاً رسالة المؤسسة السودانية للنفط صيغت بحيث تضمنت "بناء القدرات الوطنية وتأهيلها للوصول لمستويات الخبرة العالمية" (21)، تدريب الكوادر السودانية ورفع قدراتها كان أيضاً أحد بنود الإتفاقيات الموقعة بين حكومة السودان والشركات الأجنبية.
توجد العديد من الأقسام التي تُدرس تخصصات هندسة النفط في ثلاث جامعات هي: جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وجامعة الخرطوم وجامعة السلام. أعداد القبول في تلك الأقسام تثير الجدل عادة حيث توصف بـ"غير المعقولة" مقارنةً بحوجة سوق العمل. إذا أخذنا عينة للتحليل، ففي قسم هندسة النفط بكلية هندسة وتكنولوجيا النفط التابعة لجامعة السودان، فقد ذكر القسم أنَّه بنهاية العام 2016م كان قد قام بتخريج أكثر من 1000 خريج (29)، مع الأخذ في الإعتبار وجود قسمين آخرين في الكلية بالإضافة لطلاب كلية التكنولوجيا والبكلاريوس التكنولوجي الذين يدرسون برامج في هندسة النفط أيضاً. عينة أخرى، وهي جامعة السلام التي شرعت في قبول طلاب في كلية "هندسة المياه والبيئة" في ذات العام الذي فقدت فيه البلاد ثلاثة أرباع الإحتياطي النفطي! وصل عدد الطلاب المقيدين فيها حالياً إلى حوالي 900 طالب في ثلاثة أقسام أيضاً (30). قضية ضعف التشغيل والتدريب وشحَّ الفرص تلقى الإعتراف من جانب الجهات المعنية مثل الوزارة والجامعات والشركات كما وأثيرت في عدد من المناسبات (31)، بالرغم من عدم صدور إحصاءات رسمية حتى الآن بنسبة البطالة، إلا أن بعض الإحصاءات التي أعلنت بواسطة الخريجين، أشارت إلى أنَّ نسبة البطالة والأعمال في غير المجال وسط خريجي كلية هندسة وتكنولوجيا النفط بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا فاقت نسبة ال 90 % في الأعوام الخمسة الأخيرة (32).
عند تشخيص ارتفاع نسبة البطالة وسط خريجي أقسام هندسة النفط تقدم عدة أسباب، تماثل إلى حد كبير تلك التي يواجهها خريجي التعليم الفني والتقني في السودان (33)، حيث ترجع جذور المشاكل إلى تراكمات سياسية واقتصادية وتنظيمية لم تجد الجدية الكافية لحلها. فمن الأسباب السياسية: عدم وجود استراتيجية واضحة للتعليم النفطي ترتبط بالخطط التنموية للدولة، عدم وجود صلة وثيقة بين المؤسسات الحكومية وأقسام هندسة النفط والجهات المستفيدة من الخريجين. ومن الأسباب التنظيمية التي يرد ذكرها: التوسع العشوائي في إنشاء الأقسام دون التخطيط السليم المرتبط مع احتياجات سوق العمل، إهمال التأهيل المستمر لطواقم التدريس، نقص الإحصائيات الدقيقة والبيانات التي يتم الاعتماد عليها في رسم الإستراتيجيات والسياسات التعليمية. ومن المعوقات المالية: عدم تخصيص ميزانية كافية لمؤسسات التعليم  في جوانب التدريب وتطوير الطلاب، بجانب إنشاء وصيانة البنى التحتية بما يواكب التطور العلمي والتكنولوجي.
قضية سوء أوضاع المهنيين والعمال لم تكن غائبة عن المشهد في البلاد من حيث النقاش ومحاولات الإصلاح، نسبة لتكرر حوادث الإضرابات عن العمل والوقفات الإحتاجية من جانب العاملين في الحقول (34) (35)، للمطالبة بتحسين ظروف العمل والعقودات. "تجمَّع المهنيين السودان" وهو المكون الأبرز بين مكونات قوى ثورة ديسمبر 2018م، كان قد أعلن حين إنشائه أن من مهامه الأساسية السعي للوصول لأجور مناسبة ومجزية، بينت إحصائيات التجمّع أن المهني والموظف والعامل السوداني هو صاحب ثاني أقل أجر حول العالم بما يبلغ أدنى من تسعة دولارات شهرياً وأن كل المهنيين والعمال والموظفين في السودان تقع أجورهم دون خط الفقر (36). الآثار السالبة لضعف الأجور وسوء ظروف العمل تمتد إلى انخفاض الكفاءة الوظيفية وتدني مؤشرات الرضا وضعف الإستقرار، مما حدا بالتجمع -في وقت سابق- لأن يطالب بتعديل الأجور وزيادتها. في ذات السياق، فقد تكررت الشكاوى من جانب طواقم التدريس في أقسام هندسة النفط، أبرز الشكاوى المطروحة من قبلهم، تتمثل في سوء إدارة ملف النفط بصورة عامة، وقضايا ضعف امكانيات البحث العلمي والتأهيل وانعدام الشفافية وتوطين الصناعة وغيرها (31).

المسارات المستقبلية لقطاع النفط السوداني في مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر 2018

بصورة عامَّة، كل الخطط الخاصة بتطوير قطاع النفط لن يكتب لها النجاح ما لم تتوفر لها السياقات الملائمة من جهة وجود دولة يتوفر فيها الحد الأدنى من الإستقرار السياسي والشفافية والعدالة. على المدى القريب، فرصة إصلاح الخلل في القطاع النفطي والخروج به من عنق الزجاجة تكون باجتناب ذات السبل التي كان يدار به القطاع خلال الثلاثة عقود الماضية. ستحاول هذه الورقة -بصورة موجزة- التنبؤ بالآفاق المحتملة لمستقبل قطاع النفط في السودان، واستعراض بعض الخطط التي بُودر بتقديمها للمرحلة الإنتقالية.
1. في سبيل الإصلاح المؤسسي والإداري، قوى الثورة كانت قد اقترحت حزمة من السياسات الإصلاحية متوسطة المدى، يمس بعضها قطاع الطاقة عموماً والنفط والغاز بصورة خاصة. على سبيل المثال، فيما يخص إعادة الهيكلة ومحاربة الفساد وزيادة الشفافية، فيجب "إنشاء آلية لإستيضاح العائدات من البترول، والتأكد من أنها تذهب لميزانية الدولة للصرف على الأولويات التنموية للبلاد" (37)، وهو قرار سليم بالبداهة؛ لأن ضعف الشفافية في قطاع النفط، سيظل يحرمه بشكل كبير من أشكال من التعاون والدعم؛ نسبة لنمو اتجاه عالمي يربط تلقي تلك الدعومات بإحراز تقدم في ملفات الحوكمة والشفافية. يحاجج البعض بأن سوء الإدارة والنظرة القصيرة لا يقتصر على قطاع النفط والغاز فقط، وإنما يشمل قطاع الطاقة كله. ما هي السياسة التي اتبعتها الدولة في ملف الطاقة؟ سؤال يرد كثيراً ولا رد يشفي! "مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم" -والتي هي تجمع لأساتذة الجامعة المرموقة- كانت قد أجابت عن السؤال بأنه: "لا توجد سياسات واضحة للطاقة ..وهناك عشوائية وهيكلة ترضيات (لتوفير وزارات متعددة) لا تربط بين مصادر وقطاعات الطاقة المختلفة (الطاقة الكهربائية والمائية والحرارية ووزارة النفط والغاز ووزارة الزراعة والغابات). كما لا توجد جهة تنسيقية تربط بين كل هذه الجهات مما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤيا وتداخل سلبي بين الوزارات والإدارات المختلفة" (38). المبادرة اقترحت أيضاً عدداً من السياسات والبرامج، منها إنشاء منسقية عليا في مجال الطاقة والتعدين، تحديد مصادر واحتياجات البلاد من الطاقة وسبل ترشيدها ورفع كفاءة استخدامها، تهيئة مناخ الإستثمار، توطين صناعات الطاقة، وضع استراتيجيات وحشد الكفاءات الوطنية في المجال، تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث، تطوير سبل الإدارة والحوكمة في القطاع، بجانب تحويل الشركات الحكومية والأمنية العاملة في القطاع إلى شركات مساهمة عامَّة.
2. التنبؤ بمستقبل إنتاج النفط في السودان لا يمكن القيام به بيقين تام، فمن جهة إذا استعرضنا النمط الذي اتبعه الإنتاج خلال تاريخه وما صاحبه من هبوط مستمر، وأضفنا إلى ذلك معطيات أخرى مثل فقدان ثلاثة ارباع الإحتياطي بإنفصال الجنوب، ضعف الأداء في مجال الإستكشاف والإنتاج حيث أن غالبية جهود الإستخلاص المعزز للنفط والإستكشافات الجديدة لم تكلل بالنجاح (9)، عزوف رأس المال الأجنبي عن الإستثمار في البلاد واحتمالية بقاء نفوذ شركات المؤسسة العسكرية والأمنية في القطاع ، يمكننا أن نرسم صورة قاتمة للمستقبل لن يلبث فيها الإنتاج وقتاً طويلاً حتى يتوقف، وربما لن يصل حتى لمدة ال 57 عاماً التي افترضت سابقاً. مع ذلك، يبقى هناك بصيص أمل لرفع سقف الإنتاج إذا نجحت الخطط الإدارية والفنية على حد سواء في معالجة مواطن الخلل.
3. في ملف الشراكة وحول الإتجاهات المستقبلية للتعاون السوداني الصيني في القطاع، قدّرت كل من شركة شل البريطانية ووكالة الطاقة الدولية احتياج الصين للطاقة وتحديداً الكميات التي سيستوردها التنين الصيني بحوالي ٨ ملايين برميل يومياً تقريباً (1)، كما دخلت الصين سوق الطاقات المتجددة بقوة، حيث كانت أول مستثمر عالمي فيه بجملة استثمارات فاقت 102 مليار دولار. من جانب آخر، السودان كان قد بلغ ذروة إنتاجه النفطي واستمر إنتاجه في الهبوط بصورة منذ سنوات، كما أنَ غالب الإنتاج يتم استهلاكه محلياً. بجمع المعطيات السابقة والأخذ في الإعتبار أن الشركات الصينية تتحاشى المغامرة في مناطق لا توجد فيها احتياطات مبشرة (39)، فلربما لن يشكل السودان للصين ذات الأهمية مما قد يعرض العلاقات الثنائية للفتور. في ذات السياق وفيما يتعلق بالعلاقة مع دول الجوار، فقد شكَّل ملف الطاقة حضوراً قوياً في تشكيل السياسة الخارجية، السودان يمثل الركيزة التي تعتمد عليها دولة جنوب السودان في معالجة نفطها ونقله لموانئ التصدير، كما ومنذ العام 2014م اصبح السودان مستورداً للكهرباء من اثيوبيا مقابل امدادها ببعض المشتقات البترولية، معطيات مرحلة ما بعد الثورة يمكن التنبؤ بها على أن ملف الطاقة سيلعب دوراً أكبر في العلاقة مع دور الجوار، مع  التحدي المتمثل في اقناع المستثمرين الأجانب بدعم أنشطة زيادة الإنتاج والدخول في عمليات استشكاف جديدة بالرغم من حالة الإحباط التي لازمتهم من جراء تجربتهم مع النظام السابق.  
4. في ملف التوتر الأمني، فينبغي أن يعي صانعي القرار أنَّ حالة الشعور بالتهميش واللامساواة تعتبر من أكبر المهددات للإستقرار والتنمية، ليس للمجتمعات المحلية في مناطق الحقول فحسب وإنما على نطاق الدولة ككل، إذ أنها تغذي التطرف وتقوض أسس التنمية الشاملة للجميع والمستدامة، وتفاقمها قد يلحق أضراراً بالتماسك الإجتماعي ونوعية المؤسسات والسياسات (9). سياسة النظام السابق -سياسة الجذرة والعصا- المتمثلة في التعاطي الأمني مع المواطنين، مع تخصيص نسب من ريع النفط للزعماء والقادة المحليين لن تعالج جذور المشكلة. يتعين انتهاج سبل جديدة في المعالجة تتبنى بالأساس تنمية تلك المناطق وإنسانها، وذلك يتطلب خطط إنمائية تزيد من تشغيل العمالة وتحسين ظروف تشغيلها، تطوير فرص التعليم والرفاهية وإنشاء المشاريع الصغيرة. بعض تلك الخطط والبرامج لن تكون بمقدور القطاع النفطي تنفيذها بمفرده، لكن على الأقل يجب أخذها في الإعتبار والدفع في إتجاه تنفيذها.
"قوى الحرية والتغيير" وهي أكبر تحالف لقوى الثورة في السودان، كانت قد أشارت لمسألة وقف النزاعات بمخاطبة جذور الأزمة والعمل على حلها، في وثيقة "مقترح معالم برنامج اسعافي للسودان في الفترة الإنتقالية" ورد أنَّ من مهام السلطة في المرحلة الإنتقالية إنهاء النزاعات واحقاق حقوق المظلومين والتعويض المعقول للمتضررين من سياسات النظام السابق، بعض تلك الخطط تتضمن إعادة توزيع السلطة والثروة ومطالب تنموية عاجلة وبرامج إصلاح أراضي (37).
5. في جانب البطالة وضعف تشغيل الخريجين، فهناك معطيات تشير إلى استمرارية المشكلة في المستقبل بل ومكانية تفاقمها. في سبيل صياغة حلول للمشكلة تحاجج الجهات المعنية (الوزراة، الجامعات، الشركات) أنها تبذل بإستمرار جهدها لإيجاد حلول مناسبة، الرد الذي يأتي من جانب الخريجين يدور حول التشكيك في أصل صدور تلك الجهود من بعض الجهات، وحول فاعلية الإجراءات المتخذة من جانب جهات أخرى. تحسين أوضاع خريجي التعليم النفطي الذي بلغ عمره ربع قرن من الزمان، يمكن أن تتم بعد دراسة الوضع الراهن لسوق العمل في صناعة النفط والغاز واحتياجاتها الحقيقية بادئ ذي بدء، ثم بعدها يمكن الشروع في تقديم نماذج للحل تهدف للموائمة بين مخرجات الكليات من جهة واحتياجات سوق العمل من جهة أخرى، بما يجبر الضرر الواقع على الخريجين. في جانب ظروف العمل، فأيضاً قُدمت خطط لإصلاح الأجور ورفعها فوق خط الفقر ووضع قوانين عمل راسخة (37).
6. المعضلات الفنية والتقنية ستستمر في البقاء إن لم تتخذ خطوات تلزم المعنيين بإتباع منهجيات قائمة على البحث العلمي والمنهجية العلمية، وذلك يستلزم تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث وتطوير سبل الإدارة والحوكمة في القطاع كما تم اقتراحه (38). التحدي التكنولوجي وتوطين التكنولوجيا ربما لن يمكن مقابلته في المدى المنظور؛ خاصة وأنَّه يحتاج لمعينات أخرى يقوم عليها مثل تطوير البنى التحتية والخدمات والإقتصاد المحلي، إذ أن التكنولوجيا لا تنفصل البتة عن الكيان الذي تنشط فيه سواء أكان الدولة بمؤسساتها أم المجتمع، والسياق بما يحويه من عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية يحدد ابتكار التكنولوجيا من عدمها، وعن نوعية وقدر التحولات الكبرى المطلوبة لإنجاز تلك الإختراقات (40).

خلاصات

بدأ التفكير في قيام صناعة نفطية في السودان منذ وقت مبكر من القرن الماضي، ونجحت جهود متتالية في استكشاف فعلي للنفط في مناطق عديدة وصل إنتاج أحد آبارها إلى ثمانية آلاف برميل يومياً، تلى ذلك التخطيط الفعلي لتطوير صناعة النفط بكل مقوماتها، غير أنّ اضطراب الأحوال الأمنية أجبر على ايقاف العمل في تلك الخطط وتجميدها. في آواخر الثمانينات حدث انقلاب عسكري جاء بنظام "الإنقاذ الوطني" إلى سدة الحكم، حيث تبني النظام الجديد نموذج "الدولة الريعية" التي يقوم اقتصادها على استخراج الموارد الطبيعية وبيعها كيما يضمن استمراره في الحكم وتأمين مصادر سريعة للنقد. شرع النظام في إستئناف نشاطات التنقيب والإنتاج، بما يشمل الإجراءات الإدارية وتأمين التمويل والبحث عن شركاء أجانب وغير ذلك. السودان يملك حوالي 5 مليارات برميل من االثروات النفطية، منها ما يقارب المليار ونصف برميل من الإحتياطي المؤكد بالرغم من بلوغه ذروة الإنتاج وفقدانه ثلاثة أرباع الإحتياطي بإنفصال جنوب السودان وتكوينه لدولته المستقلة.
تبني نموذج الدولة الريعية كان له أثر سالب على الإقتصاد السوداني، حيث لم توظف عوائد البترول في تحقيق طفرة تنموية في قطاعات الدولة ولا اصلاحات مؤسسية وسياسية. ريع النفط لم يفلح في انتشال السودانيين من براثن الفقر والمرض وانعدام المساواة وغيرها من مؤشرات ضعف التنمية البشرية. على ضوء الإستراتيجية العامة للصين تجاه الدول الشرق أوسطية والإفريقية، والتي تنبني على التعاون الإقتصادي والتنمية المشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى والإلتزام بالبراغماتية- بالإضافة لمعطيات أخرى، نشأت شراكة بين نظام الإنقاذ ودولة الصين في قطاع النفط، مكنت الصين من السيطرة المحكمة على مفاصل القطاع.

الحالة العامّة للدولة في عهد نظام الإنقاذ، كان لها انعكاس واضح ومباشر على الأداء للقطاعات المختلفة والتي من ضمنها قطاع النفط . عاني القطاع من عدة اشكالات منها ما يتعلق بإنعدام الشفافية واستشراء فساد مجموعات المصلحة الداخلية والأذرع الأمنية، وتوترات أمنية مستمرة في مناطق الحقول النفطية مصدرها الغبن الذي تشعر به المجموعات المحلية. أيضاً يشكو القطاع من ضعف التكنولوجيا المستخدمة، بجانب المظلومية الواقعة على العمال من حيث سوء ظروف وعقود العمل، والإرتفاع المقلق في نسبة البطالة بين خريجي أقسام هندسة النفط.
العديد من البرامج تمَّ اقتراحها من جانب قوى ثورة ديسمبر 2018م لغرض الإصلاح وحل الإشكالات، تلك البرامج التطويرية المقترحة تتطلب سياقات ملائمة من جهة وجود حد أدنى من الإستقرار السياسي والشفافية والعدالة والحوكمة السليمة. يتعين على الدولة القيام بتشريع سياسات ووضع خطط مستقبلية، حتى إذا ما نشبت أزمة فهي لن تقوم إلا ب(تشذيب) تلك السياسيات، بعيداً عن الفوضوية التي احاطت بالقطاع خلال المرحلة الماضية. على كُلٍ، هدفت هذه الورقة إلى طرق رؤوس مواضيع عديدة، مساهمةً لصياغة إطار عام يُفْهَم من خلاله حال القطاع النفطي وتحدياته ومآلاته المستقبلية، فهي مساهمة لأنَّ الإحاطة بملف بهذا الإتساع أمر عسير، كما أنَّها محاولة للفهم لأن التطور التاريخي وطبيعة القطاع الحالية يضعان عقبات تحول دون الجزم بأي خلاصات بحثية.

المراجع

1.      أحمد، جعفر كرار. "قصة البترول السوداني: التعاون الصيني-السوداني في قطاع النفط، النشأة والتطور والفرص والتحديات"، دراسة تحليلية.
2.      عبدالسلام، آية بدر عليوة مايو 2017، فشل نموذج الدولة الريعية: قراءة في الأزمة الفنزويلية. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.https://bit.ly/2Z8cCMX
3.       Human Development Indices and Indicators: 2018 Statistical Update, “Briefing note for countries on the 2018 Statistical 3Update - Sudan”, UNITED NATIONS DEVELOPMENT PROGRAMME, accessed on 24/08/2019, at: hdr.undp.org/en/countries/profiles/SDN
4.       Mansour, Abdelmajed A. "Innovation and Technology Transfer in Exploration & Production Industry in Sudan". 17th Africa OILGASMINE, Khartoum, 23-26 November 2015
5.       BP. 2018. BP Statistical Review of World Energy 2018. June 2018. UK: Pureprint Group Limited. (67th edition).
6.       “Sudan Crude Oil Production”, Trading Economics, accessed on 26/08/2019, at: http://bit.ly/343Nki3
7.      "تقرير إنتاج الخام لشهر 2019-01"، جمهورية السودان – وزارة النفط والغاز والمعادن، شوهد في 2019/08/24، في: http://bit.ly/2KWjBQA
8.      علي عبدالرحيم أبومريم، " السودان: آفاق غبشاء (1-3)"، سودارس، تاريخ النشر:2014/06/11، شوهد في: 2018/08/24، في http://bit.ly/2zhbTtu
9.      جيمس، لورام. "حقول السيطرة: النفط والـ(لا) أمن في السودان وجنوب السودان"، مسح الأسلحة الصغيرة – مشروع التقييم الأساسي للأمن البشري، تاريخ النشر: ديسمبر 2016، شوهد في 2019/05/02، في: http://bit.ly/324irYN
11.   الدول الأعضاء: السودان"، المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، شوهد في: 2019/08/24، في: http://bit.ly/2zgfatb
12.  Rabah, Ali A. Nimer, Hassan B. Doud, Kamal R. and Ahmed, Quosay A. “Modelling of Sudan’s Energy Supply, Transformation, and Demand”, Journal of Energy, Volume 2016, Article ID 5082678, http://dx.doi.org/10.1155/2016/5082678
13.   وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي، "العرض الإقتصادي للعام 2017"، 2017، صفحة رقم 96.
14.   "الأسلحة والنفط ودارفور السلاح: تطور العلاقات بين الصين والسودان"،  تقرير السودان: التقييم الأساسي للأمن الإنساني، مسح الأسلحة الصغيرة، تاريخ النشر: 7 تموز 2007، شوهد في: 2019/08/24، في: http://bit.ly/2ZqmdtV
15.   العبدالرحمن، حكمات. " إستراتيجية الصين الشرق أوسطية: من سور الصين العظيم إلى الانفتاح الاقتصادي"، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
16.   غلوبل ويتنس،"تأجيج مشاعرالريبة: الحاجة إلى الشفافية في صناعة النفط في السودان"، 2009/09، في: http://bit.ly/2KYii3g
17.   عاصم إسماعيل، " السودان يسعى إلى جدولة جديدة لديونه مع الصين"، موقع العربي الجديد، تاريخ النشر 2018/08/29، شوهد في 2019/08/26، في: http://bit.ly/2zqrB5q
18.  Federal Register, “Executive Order 13412—Blocking Property and Prohibiting Transactions with the Government of Sudan”, Federal Register / Vol. 71, No. 200 / Tuesday, October 17, 2006 / Presidential Documents.
19.   برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، "أدلة التنمية البشرية ومؤشراتها: التحديث الإحصائي لعام 2018"، 2018، ص .iii
20.   كمال عبد الرحيم كرار، "البترول في السودان: الواقع وآفاق المستقبل"، موقع الإقتصادي السوداني، شوهد في: 2019/08/24، في: http://bit.ly/2NuRfyo
21.   "نبذة تعريفية عن المؤسسة السودانية للنفط"، المؤسسة السودانية للنفط، شوهد في 2019/08/24، في: https://bit.ly/30xlBEa
22.   محمد عبد الرحيم، " حل المؤسسة السودانية للنفط قرار يحتاج لمراجعة"، وكالة السودان للأنباء، 2019/05/08، شوهد في 2019/06/11، في: http://bit.ly/2L1K92S
23.   النعيمي، علي بن إبراهيم. من البادية إإلى عالم النفط، لبنان: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2016.
24.   إسماعيل، أبكر آدم. "جدلية المركز والهامش: قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان"، في: http://bit.ly/2ZlIT3e
25.  همرور، قصي. السلطة الخامسة – من أين تأتي التكنولوجيا؟، الجيزة: أوراق للنشر والتوزيع، 2015.
26.  المرجع نفسه، ص 138.
27.  Energy and Commerce Committee (2018) Energy Hearing on The Shifting Geopolitics of Oil and Gas. Available at: http://bit.ly/344HX1L (accessed at: July 2018).
28.  Hamid, M. A. 2019. “Approaching Technology Transformation in Sudanese Oil and Gas Industry”. [Unpublished manuscript]
29.   "اقسام الكلية"، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا – جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، شوهد في: 2019/08/27، في: http://bit.ly/2Nzcnn0
30.   "كلية هندسة النفط والمياه"، جامعة السلام، شوهد في: 2019/08/27، في: http://bit.ly/2KZGWAO
31.   مجموعة الإحياء والتجديد، "الصناعة النفطية في السودان الواقع وتحديات النهوض"، سلسلة صناعة الفقر في السودان، يوتيوب، 2019/07/25، شوهد في: 2019/08/04، في: http://bit.ly/30FMh5M
32.   "جلسة تفاكرية لخريجي أقسام هندسة النفط من الجامعات السودانية"، ندوة عامَّة، الخرطوم، 2019/04/16.
33.   حسن، أميرة محمد علي أحمد. "دور التخطيط الاستراتيجي لتطوير التعليم الفني والتقني في السودان، مؤتمر تكامل مخرجات التعليم مع سوق العمل في القطاع العام والخاص"، 2012.
34.   إضراب العمال بشركة بترونيد للبترول بولاية غرب كردفان يدخل يومه العاشر"، دارفور 24، 2016/10/17، شوهد في: 2019/08/26، في: http://bit.ly/30EHPUC
35.   "عمال شركة بترونيد للنفط يدخلون في إضراب"، سودارس، 2013/03/06، شوهد في: 2019/08/27، في: http://bit.ly/2NFJdTc
36.   تجمع المهنيين السودانيين، "دراسسة حول وضع الأجور في السودان"، موقع تجمع المهنيين السودانيين، 2018/11، شوهد في 2019/08/26، في: http://bit.ly/33ZZ5WD
37.   قوى اعلان الحرية والتغيير، "مقترح معالم برنامج اسعافي للسودان، في الفترة الإنتقالية"، تجمع المهنيين السودانيين، 2019/04/21، شوهد في 2019/08/26، في: http://bit.ly/2PitKuQ
38.   مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، "الطاقة والتعدين"، لجنة الخطط والبرامج، فيسبوك، 2019/04/20، شوهد في 2019/08/26، في: http://bit.ly/322aymL 
39.  البزيم، رشيد. "دول الخليج وتحديات التحولات في مجال الطاقة، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مارس 2019https://bit.ly/2Zjo43F
40.  Abuhazami40. (2018) "استقلال التكنولوجيا - د. قصى همرور"، شوهد في: 2018/05/14، في: http://bit.ly/2MIGcSs