براعة الإستهلال

 ﺧﻄﺒﺔ إمام أهل السُّنة ﺣﻤﺪ بن حنبل ﻓﻲ مقدمة ﻛﺘﺎﺑﻪ (ﻟﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺰﻧﺎﻗﺔ ﻭﺍﻟﺠﻬﻤﻴﺔ) ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎ ﻟﺒﺮﻋﺔ ﻻ‌ﺳﺘﻬﻼ‌ل-كما وصفها أحدهم-  ﺣﺴﻦ ﻟﺒﻴﺎ ، ﻗﺎ ﺣﻤﻪ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟــﻰ :


" ﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻟﺬ ﺟﻌﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﺘﺮ ﻣﻦ ﻟﺮﺳﻞ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﻫﻞ ﻟﻌﻠﻢ ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻦ ﺿﻞ ﻟﻰ ﻟﻬﺪ، ﻳﺼﺒﺮﻭﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻷ‌ﺫﻯ، ﻳﺤﻴﻮ ﺑﻜﺘﺎ ﻟﻠﻪ ﻟﻤﻮﺗﻰ، ﻳﺒﺼﺮﻭﻥ ﺑﻨﻮ ﻟﻠﻪ ﻫﻞ ﻟﻌﻤﻰ، ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻗﺘﻴﻞ ﻹ‌ﺑﻠﻴﺲ ﻗﺪ ﺣﻴﻮﻩ، ﻛﻢ ﻣﻦ ﺿﺎ ﺗﺎﺋﻪ ﻫﺪﻩ، ﻓﻤﺎ ﺣﺴﻦ ﺛﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﻭﺃﻗﺒﺢ ﺛﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ! ﻳﻨﻔﻮ ﻋﻦ ﻛﺘﺎ ﻟﻠﻪ ﺗﺤﺮﻳﻒ ﻟﻐﺎﻟﻴﻦ ﻭﺍﻧﺘﺤﺎ ﻟﻤﺒﻄﻠﻴﻦ، ﺗﺄﻳﻞ ﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ، ﻟﺬﻳﻦ ﻋﻘﺪﻭﺍ ﻟﻮﻳﺔ ﻟﺒﺪﻋﺔ، ﻭﺃﻃﻠﻘﻮ ﻋﻘﺎ ﻟﻔﺘﻨﺔ، ﻓﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﻮ ﻓﻲ ﻟﻜﺘﺎ، ﻣﺨﺎﻟﻔﻮ ﻟﻠﻜﺘﺎ، ﻣﺘﻔﻘﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻜﺘﺎ، ﻳﻘﻮﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﻟﻠﻪ، ﻓﻲ ﻟﻠﻪ، ﻓﻲ ﻛﺘﺎ ﻟﻠﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ، ﻳﺘﻜﻠﻤﻮ ﺑﺎﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻟﻜﻼ‌، ﻳﺨﺪﻋﻮ ﺟﻬﺎ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻬﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﻨﻌﻮ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﺘﻦ ﻟﻤﻀﻠﻴﻦ"

المبتعثين ، حصان طروادة !

  تروُي إ‌ﺳطورة (حصان طروادة ) حِصار ﻹ‌ﻏﺮﻳﻖ لمدينة  طروادة دام عشر سنوات، ﻓﺎﺑﺘﺪع ﻹ‌ﻏﺮﻳﻖ ﺣﻴﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة تتمثل في صُنع ﺣﺼﺎن خشبي ضخم ﺟﻮف تم ملؤوه ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرﺑﻴﻦ ، ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﻟﺠﻴﺶ ﻓﻈﻬﺮ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﻞ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﻗﻊ ﻛﺎن ﻳﺨﺘﺒﺊ قريباً من المدينة ، ﻗﺒﻞ ﻟﻄرواديون ﻟﺤﺼﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﻪ ﻋﺮض ﺳﻼ‌م بعدما ﻗﺎم ﺟﺎﺳﻮس  ﻏﺮﻳﻘﻲ ﺑﺈﻗﻨﺎعهم ﺑﺄنَّ ﻟﺤﺼﺎن ﻫﺪﻳﺔ،  ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻤﻠﻚ ﺑﺈدﺧﺎﻟﻪ ﻟﻰ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﺘﻔﺎل ﻛﺒﻴﺮ !
ﺣﺘﻔﻞ ﻟﻄﺮواديون ﺑﺮﻓﻊ ﻟﺤﺼﺎ و ﺑﺘﻬﺠﻮ، و عندما حل الليل ﻛﺎن ﻟﺴﻜﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻜﺮ،فخرج المحاربون الإغريق من الحصـان وفتحوا  ﺑﻮﺑﺎت ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻠﺴﻤﺎح ﻟﺒﻘﻴﺔ ﻟﺠــﻴـﺶ ﺑﺪﺧﻮﻟﻬــﺎ، ﻓﻨﻬﺒﺖ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻼ‌ ﺣـﻤﺔ، و ﻗﺘﻞ ﻛﻞ ﻟﺮﺟـﺎ، و ﺧـﺬ ﻛــﻞ ﻟﻨـﺴﺎء و ﻷ‌ﻃـﻔﺎل ﻛﻌـﺒﻴﺪ ..

وقد إستفاد أهل الغرب من هذه الحيلة وطبقوا مع الدول العربية ما طبقه الإغريق مع أهل طروادة! ،  فكما هو معلوم دأبت الدول التي إستعمرت العالم العربي على أخذ خيرة شباب الدول المُستعمَرة وإرسالهم كمبتعثين إلى وكر التنين =إلى الغرب ، وهناك كان يتم إشباعهم وتلويثهم بكل ما فاسد من الأفكار ومنحرف من المناهج وباطل من العقائد ، وفي الوقت الذي تنتظر فيه البلدان المغلوبة على أمرها فلذات أكبادها  بفارغ الصبر ،تتفأجأ بتغرﻳﺒﻴﻴﻦ ﻳﻠﻬﺜﻮن وراء ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻟﻐﺮب ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻜم و الأخلاق و غير ذﻟﻚ ..
 و ﻣﻦ ﻻ‌ﺧﺘﻄﺎف ﻟﺤﻘﻴﻘﻲ لشبابنا ﺑﺘﻌﺎﺛﻬﻢ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﻼ‌د الغرب و ﻏﻴﺮﻫﺎ؛ ﻓﺘﺘﻠﻮثﻓﻜﺎﻫﻢ و ﺗﻔﺴﺪ ﺧﻼ‌ﻗﻬﻢ ﻻ‌ ﻣﻦ ﺷﺎء ﻟﻠﻪ .. فشاب تنحصر ثقافته في ماركات الجوالات وأخبار الرياضة والغناء وفجأة يقرأ لماركس أو نيتشه.. لا تتعجب من انحرافه!

لكن هل هُناك دليل على اختطاف عقول المبتعثين ام هي مجرد دعاوى! لنقرأ كلام رجل منهم ، يقول زعيم الفلسفة الوجودية الفرنسي جان بول سارتر : كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف الأثرياء والسادة من إفريقيا وأسيا ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس ، فتتغير ملابسهم ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الإجتماعية الجديدة ،ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو ،ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا ،و ركوب عرباتنا وكنا ندبّر لبعضهم أحيانا زيجات أوربية ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية ،كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوربا ، ثم نرسلهم إلى بلادهم... وأي بلاد؟ بلاد كانت أبوابها مغلقة دائما في وجوهنا ولم نكن نجد منفذا إليها ، كنا بالنسبة إليهم رجساً ونجساً ، لكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم ، كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس : الإخاء البشري فيرتد ربع أصواتنا من أقاصي إفريقيا ، أو الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا كنا نقول لهم:  ليحل المذهب الإنساني ،أو دين الأنسانية محل الأديان المختلفة وكانوا يرددون أصواتنا من أفواههم وحين نصمت يصمتون ..

من اكابر التغريبيين ودعاة الليبرالية في عصرنا المدعو رفاعة الطهطاوي والذي رﺳﻠﺘﻪ الحكومة المصرية ﻓﻲ ﻷ‌ﺻﻞ ﻣﺎﻣًﺎ ﻟﻠﺼﻼ‌ة و ﻟﻮﻋﻆ ﻣﻊ ﻟﺒﻌﺜﺔ إلى فرنسا، و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻄﺔ ﻟﺘﺤﻮل  و ﺑﺪﻳﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ  جهوده ﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ .. و لما لطهطاو ﻟﻰ مصر عمل على بث ﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ الطلاب ﺑإﺳﻢ (ﻟﻌﻠﻢ)  و (ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ) وتشويه صورة الإسلام..
 تحدث الطهطاوي عن إﻋﺠﺎﺑﻪ ﻟﻬﺎﺋﻞ ﺑﺰﻳﻒ ﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻓمثلاً ﻴﻘﻮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺗﺨﻠﻴﺺ ﻹ‌ﺑﺮﻳﺰ ﻓﻲ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺑﺎرﻳﺰ" ﻓﻲ وﺻﻔﻪ ﻟﺤﺎلﻟﻤﺮﻗﺺ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ - و كما قال د.راغب السرجاني "ﻻ‌ أدري ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻮﻋﻆ و ﻹ‌ﻣﺎم  ﻓﻀﻼ‌ً ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ دخول ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ ﻷ‌ﻣﺎﻛﻦ: ﻓﺎﻟﺮﻗﺺ ﻓﻲ ﺑﺎﻳﺲ دﺋﻤًﺎ ﻏﻴﺮ ﺧﺎج ﻋﻦ ﻗﻮﻧﻴﻦ ﻟﺤﻴﺎء، ﺑﺨﻼف‌ ﻟﺮﻗﺺ ﻓﻲ ﺃﺭض ﻣﺼﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت  ﻟﻨﺴﺎء؛ ﻷ‌ﻧﻪ ﻟﺘﻬﻴﻴﺞ ﻟﺸﻬﻮ، ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﺎﻳﺲ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ‌ ﻳُﺸﻢ ﻣﻨﻪ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻟﻌﻬﺮ ﺑﺪً!  و ﻛﻞ ﻧﺴﺎن ﻳﻌﺰم ﻣﺮة ﻳﺮﻗﺺ ﻣﻌﻬﺎ، ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺮغ ﻟﺮﻗﺺ ﻋﺰﻣﻬﺎ ﺧﺮ ﻟﻠﺮﻗﺼﺔ ﻟﺜﺎﻧﻴﺔ و ﻫﻜﺬ، و ﺳﻮء ﻛﺎن ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ و ﻻ‌، و تفرح ﻟﻨﺴﺎء ﺑﻜﺜﺮة ﻟﺮﻏﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻟﺮﻗﺺ ﻣﻌﻬﻦ، ﺛﻢ ﻳﺴﻬﺐ ﻓﻲ وﺻﻒ ﻧﻮعﻟﺮﻗﺼﺎت و ﺷﻜﻠﻬﺎ، ﻓﻴﻘﻮل: و ﻗﺪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻟﺮﻗﺺ ﻗﺼﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ؛ ﺑﺄنْ ﻳﺮﻗﺺ ﻹ‌ﻧﺴﺎن و ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﺮة ﻣﻦ ﺗﺮﻗﺺ ﻣﻌﻪ، و ﻏﻠﺐ ﻷوقات ﻳﻤﺴﻜﻬﺎ ﺑﻴﺪﻩ ،  و الله المُستعان ..
ولكن لا بد من الإعتراف بفضل كثير من الطلاب المبتعثين في نهضة بلادهم ونشر دين الإسلام من خلال جميل صفاتهم وحسن أخلاقهم فأسأل الله أنْ يجزيهم عن الأمة كل خير ..