موشي دايان ،  كان احد وزراء الدفاع الاسرائيليين وهو الذي قاد الحرب عام 1967م,نشر في السنوات الماضية خطة اسرائيل للدفاع الاستراتيجي في حالة نشوب حرب مفاجئة ، و هذا طبعاً من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية يعد من الخطورة بمكان ، بغض النظر عن مقصده والذي كان تنوير الشباب الاسرائيلي عن حال بلادهم ، وعندما تم سؤاله عمَّا حصل  وانه قد يستفيد منه العرب ، قال: (العربُ لا يقرؤون! )

و للأسف فقد صدق وهو كذوب ، فألامة عزفت عن القراءة -إلّا من رحم ربّي-  بالرغم من انّ اول كلمة في ديننا هي ﴿ إقـرأ  ،  بل كان المسلمون اذا  فتحوا مدينة صرفوا هممهم لبناء مسجد و مدرسة كما فعل صلى الله عليه وسلم اول ما وصل المدينة المُنورة ، كما عرض عليه الصلاة والسلام الحرية على أسرى بدر شريطة أن يُعلّم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة ..

وقد كان حُب العلم والقراءة والشغف بالكتب ديدن السلف ، فقد قرأ الحافظ ابن حجر في فترة إقامته بدمشق -وكانت شهرين وثلث الشهر - قريباً من مائة مجلد!   وهذا الخطيب البغدادي يقرأ صحيح البخاري(5مجلدات) في ثلاثة مجالس ، و ذاك ابن الجوزي يقرأ في بداية طلبه للعلم حوالي عشرين الف كتاب!
وفي ترجمة أبي داؤود السجستاني قال ابن داسة:   (كان لأبي داؤود كُم واسع وكُم ضيّق فقيل له في ذلك؟ فقال: الواسع للكُتب  الأخر لا يُحتاج إليه).

تاريخ مُشرق جداً ، لكن ماذا عن الاحصاءات المعاصرة؟،تعالوا نُلقي نظرة على بعض منها :
فقد نشرت صحيفة الرأي الاردنية ان القارئ العربي يقرأ في كل عام ربع صفحة فقط (بس؟للأسف بس)! واجمالي ما تنتجه الدول العربية من الكتب يعادل 1.1% من الانتاج العالمي ، بالإضافة الى أن الشخص البريطاني يقرأ من الكتب ما يعادل قراءة 40 شخص عربي ، والشخص الامريكي يقرأ ما يعادل 220 شخص عربي ...)
وحسب إحصائية اليونسكو فإن الدول العربية أنتجت 6.500 كتاب عام 1991 , بالمقارنة مع 102.000 كتاب في أمريكا الشمالية  و42.000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003) ..
أما عن الترجمة وبالعودة الى تقرير التنمية المذكور , فإن المُعطيات التي يُوردها حول الترجمة إلى اللُغة العربية تُبين بأن الدُول العربية ككُل هي في أدنى القائمة , إذ قال التقرير بإن اليابان تُترجم حوالي 30000000 صفحة سنوياً و في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي هو خُمس ما يُترجم في اليايان والحصيلة الكٌلية لما تُرجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10000 كتاب وهي تٌساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة !

فحذار حذار من احتقار الذات ، وحذار حذار من دخول الضعف والخور الى النفس ، الله الله في الاخلاص والتشمير عن ساعد الجد لاستغلال ما نستطيع من الثواني والدقائق في القراءة والتحصيل سواء سماعا او قراءة او حضورا ، و هذه الوسائل متوفرة :فالكتب كثيرة ، واندية القراءة  والمنتديات والمواقع الالكترونية كثيرة ، فلا تفرط في هذه الامور واستغل ما تستطيع ، وسترى انك تزداد علما بفضل الله تعالى ، ولذلك فإني اورد بعض المُعينات لإكتساب  ملكة القراءة و تنميتها -خاصة ولأنّه قد اثبتت الدراسات الحديثة في الولايات المتحدة انه يمكن لاي شخص ان يحسن من قدرته على القراءة وفي وقت قصير وبنسبة تزيد عن 50‰ - و من هذه المُعينـات :

أولاً:النية
" إنّما الأعمال بالنيّات..."  ، حديث نبوي بدأ به البخاري صحيحه وبدأ به النووي أربعينه  و بدأ به أهل العلم مجالسهم و ذلك لما للنية ما دور محوري في قبول الأعمال عند الله عز وجل ، قال حبر الأمة ابن عبّاس رحمه اللّه: (إنّما يحفظ الرجل على قدر نيته ) ، وقال مُعــمر بن راشد : (كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير اللّه فيأبى عليه العلم حتى يكــون للّه عز وجل ...)



ثانياً:عُلو الهمة
الهمة هي استصغار كل ما دون النهاية من معالي الامور ، ولتجنب الاطالة فإني اورد مثالين فقط لعلو الهمة مكتفيا بما اوردته في بداية المقال  :
شيخ الاسلام ابن تيمية= كلنا يعرفه ويعرف ولو قليلا عن علو همته ،  فقد ذكر رحمه الله عن في آخر تفسير النور ، فقال: إن جميع ما في القران من ايات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة ، وما رووه من الحديث ، و وقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتاب الكبار والصغار واكثر من مائة تفسير!
الامام المزني= من همته رحمه الله انه قرأ كتاب الرسالة في اصول الفقه للشافعي خمسين مرة ..



ثالثاً: ماذا أقرأ؟
إن الاهتمام بنوعية القراءة من اهم الجوانب ، فمثلاً في انواع من الكتب لا تضيف لك جديداً ولا تجدد فيك تالفاً قديماً ، مجرد قتل للوقت لا أكثر ، فتستطيع ان تبدأ بالكتب التي تشعر ان لك فيها رغبة وانها ستعود عليك بالفائدة في نفس الوقت ..


رابعاً :حدد الغرض من القراءة
دائما اجعل  لقراءتك هدفا بمعنى اسأل نفسك وانت تقرأ عن الفكرة الرئيسة التي يعبر الكاتب عنها في كل جزء من اجزاء الكتاب ويمكنك ان تحول عنوان اي جزء تقرؤوه الي سؤال و تحاول الاجابة عليه اثناء القراءة ..


خامساً: الإلمام السريع بجوانب الموضوع
قم بتصفح الكتاب بأكمله  وبسرعة ، إقرأ العناوين الرئيسة والعناوين الجانبية واستطلع مقدمة كل جزء بسرعة مما قد يساعدك على سرعة الحفظ والقدرة على التركيز والتغلب على آفات القراءة كالسرحان وغيره...



سادساً: إستخدم المهارات المعينة على القراءة بعمق:
-لخّص : لخّص اهم الافكار الواردة في الكتاب الى مذكرة خاصة ..
-إستخدم القلم الاصفر : وذلك لتحديد المعلومات المهمة ، او بدلا من ذلك يمكنك ان تضع خطا او ترسم دائرة ..
-اكتب على الهامش : وهذه الكتابة قد تكون تلخيصا للفكرة او تساؤلات او تعليقات تتتعارض او تتفقق مع الافكار المعروضة
-توقّع اسئلة : واكتبها على ورقة خارجية او على هامش الكتاب مما سيعينك على التركيز وفهم الكتاب ..



سابعاً: قُم بتثبيت وقت للقراءة
وليكن االوقت الذي غالباً تكون فيه صافي البال وخالٍ من المشاغل , و حدد لنفسك عدد صفحات معينة  في اليوم لا تتنازل عنها ابداً ابداً مهما كثرت المغريات ..



ثامناً: تحلى بالصبر
وهو من اهم النقاط التى تصقل موهبتك في القراءة وتنميها، ولا تحسب انك بمجرد الانتهاء من قراءة مقالي هذا ستصبح قارئا  لة يشق له غبار إنما هي درجات عليك صعودها بسلم الصبر والاجتهاد ،  قال حبر الأمة عبدالله بن عبّاس: (ذللت طالباً،فعززت مطلوباً )، وقال الحسن اللؤلؤي : (غبّرت اربعين عاماً ، ما قِلت ، ولا بِت ، ولا إتكأت ، إلا والكتاب موضوع على صدري)!
وكما قيل:
                لا تحسب المجد تمراً انت آكله ** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا 




تاسعاً: جالس القُراء
اجعل لنفسك بيئة من القراءة, مثل  ان تشترك في مكتبة او منتدي الكتروني او نادي للقراءة واحرص على مجالسة المهتمين بالقراءة لأن لهم بالغ الأثر في شحذ الهمة و زيادة العزيمة ..

 و وصية أخيرة وهي من أهم النقاط في مقالي هذا ألّا وهي البعد عن المعاصي وعن إرتكاب ما نهى عنه وانتهاك ما حرمه فبذلك تحصل على بركة القراءة وثمرتها أما الذنوب والمعاصي فهي مدعاة لذهاب العلم وسلبه قال تعالى : ﴿فبما نقضهم ميثاقهم... ، بجانب طلب العون والتوفيق والسداد منه عزّ وجلّ الملك الرحيم بالعباد ..




من مصادر المقال :
_  "اضاءات في طريق العلم"
_حلقات برنامج همسة مُحب على اليوتيوب ، تقديم : خالد عُثمان الفيل